| ]



هل قرأت الصحيحين أم أنك وجدت علماءنا يقولون أن كل ما في الصحيحين صحيح فقلت مثل قولهم؟ لماذا لا تقرأ بعض الأحاديث التي في الصحيحين ثم نحكم بنفسك؟

اتفق علماء السنة والجماعة على أن صحيحي البخاري ومسلم أصح كتابين بعد كتاب الله سبحانه وتعالى، وقد تلقّتها الأمة بالقبول، حتى قال الحافظ أبو نصر السجزي: "أجمع الفقهاء وغيرهم أن رَجلا لو حَلف بالطلاق أن جميع البخاري صحيح قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك فيه، لم يَحْنَث" (مقدمة ابن الصلاح : صفحة 38 )

وقال الجويني إمام الحرمين: " لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في الصحيحين مما حَكَما بصحته من قول النبي صلى الله عليه وسلم لَمَا ألزمته الطلاق، لإجماع المسلمين على صِحَّته" ( صيانة صحيح مسلم ـ أبو عمرو بن الصلاح ـ صفحة 86 )

لنسمع رد عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ رئيس اللجنة الدائمة للإفتاء ورئيس هيئة كبار العلماء في السعودية على من يقول: أن أحاديث صحيح مسلم لم يجمع على صحتها وليس كلها متلقات بالقبول.
السائل: "أحسن الله إليكم، هذا سائل من مملكة البحرين يقول: وصلنا كتاب من احد المتصدرين للعلم يقول: أن أحاديث صحيح مسلم لم يجمع على صحتها، وليس كلها متلقات بالقبول، فما حكم هذا القول؟ وكيف نتعامل مع هذا الكتاب وصاحبه؟ هل نحذر منه؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا."

سماحة مفتي المملكة: "هذه مغالطة وأكاذيب, وهذا الكتاب الذي ألف بهذا الشكل كتاب ضلال, صحيح مسلم من الكتب الصحاح المعتمدة عند أهل الإسلام، والقادحون في ذلك قادح في السنة، فلا خير فيهم، نعم."

يقول بن حجر في شرحه لحديث رجم القِرَدَةِ للقِرْدَةِ الزانية، الذي رواه البخاري: "عن عمرو بن ميمون: رأيت في الجاهلية قِرْدَةً اجتمع عليها قِرَدَةٌ قد زنت فرجموها فرجمتها معهم" ( البخاري : فضائل الصحابة ؛أيام الجاهلية.)

يقول ابن حجر : " قال الحميدي: "وَلَيْسَ فِي نُسَخ الْبُخَارِيّ أَصْلًا، فَلَعَلَّهُ مِنْ الْأَحَادِيث الْمُقْحَمَة فِي كِتَاب الْبُخَارِيّ" . وَأَمَّا تَجْوِيزه أَنْ يُزَاد فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَهَذَا يُنَافِي مَا عَلَيْهِ الْعُلَمَاء مِنْ الْحُكْم بِتَصْحِيحِ جَمِيع مَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيّ فِي كِتَابه , وَمِنْ اِتِّفَاقهمْ عَلَى أَنَّهُ مَقْطُوع بِنِسْبَتِهِ إِلَيْهِ , وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ تَخَيُّل فَاسِد، يَتَطَرَّق مِنْهُ عَدَم الْوُثُوق بِجَمِيعِ مَا فِي الصَّحِيح, لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ فِي وَاحِد لَا بِعَيْنِهِ جَازَ فِي كُلّ فَرْد فَرْد, فَلَا يَبْقَى لِأَحَدٍ الْوُثُوق بِمَا فِي الْكِتَاب الْمَذْكُور, وَاتِّفَاق الْعُلَمَاء يُنَافِي ذَلِكَ" (فتح الباري : فضائل الصحابة ؛أيام الجاهلية.)

ولكن المطالع المتدبر لهذين الكتابين الكريمين، يجد فيهما من الأحاديث ما يجعله يجيل النظر فيها، ويسائل نفسه مرة تلو مرة: هل يمكن أن تكون كل هذه الأحاديث صحيحة؟ هل كل ما الصحيحين صحيح؟ فقد يجد فيهما من الأحاديث ما يخالف كتاب الله سبحانه وتعالى، وقد يجد فيهما من الاختلاف ما لا يمكن دفعه، وقد يجد فيهما ما ينافي تنزيه الله سبحانه وتعالى عما لا يليق به، وقد يجد فيهما ما يسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى أمهات المؤمنين الطاهرات وإلى كبار الصحابة الكرام، إلى غير ذلك من الأمور التي سنبين بعضها في دراستنا هذه إن شاء الله سبحانه وتعالى، ليعيد القارئ السؤال على نفسه مرة تلو مرة، هل كل ما الصحيحين صحيح ؟ هذا السؤال يجول في خاطر كثير ممن قرأ الصحيحين، وقد يهمس به كثير من المسلمين، ولكن لا يجرؤ أحد أن يرفع صوته بهذا السؤال، لأن التهم جاهزة: " جاهل ، فاسق ، قرآني ، زنديق ، كافر ، من أصحاب البدع والأهواء" والكثير الكثير من أمثال هذه التهم التي اعتاد المسلمون سماعها عند أي مخالفة في الرأي.

ويجب أن نتذكر أن الطعن في صحة حديث يخالف كتاب الله، ويؤذي الله ورسوله، ليس طعنا في السنة النبوية المطهرة، إن من يطعن في السنة النبوية، هو من يدافع عن صحة أحاديث تؤذي الله ورسوله وأمهات المؤمنين والصحابة الكرام، وتسيء إلى الدين الإسلامي الحنيف .

إن التقدم الهائل فيما يسمى بتكنولوجيا المعلومات، وانتشار ظاهرة الإنترنت جعل من أمثال هذه الأحاديث مرتعا خصبا للطعن في مذهب أهل السنة، والطعن في الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين، معتمدين على أن كل ما الصحيحين صحيح، وإذا أردت مثالا على ذلك، فما عليك إلا أن تذهب إلى موقع جوجل وتبحث عن كلمتي: عائشة سحر، وستجد عشرات المواقع التي تتخذ من حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم موطئ قدم للهجوم على هذا الدين، والنيل من نبيه الكريم ومن أمهات المؤمنين الطاهرات، سواء من قبل خصوم السنة كالشيعة، أو أعداء الإسلام عامة من النصارى واليهود، وتكون حجة أحدنا واهية إذا أردنا أن ندفع ذلك، وكيف ندفع والحديث متفق عليه في الصحيحين؟ أوليس كل ما الصحيحين صحيح ؟

مع أن حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم، رواه هشام بن عروة عن أبيه، وهشام هذا متهم بالتدليس " والتدليس هو أخو الكذب" كما قاله الشافعي رحمه الله، ومن يدلس ليوهم الناس بأنه سمع الحديث من أبيه ولم يسمعه من أبيه؛ ليس بمؤتمن على نقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبدلا من أن ندافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وندفع عنه تهمة السحر، فلندافع عن هشام بن عروة، أوليس قد روى له الشيخان!؟ أوليس من روى له الشيخان فقد اجتاز القنطرة !؟

الصحيحان يحويان آلاف الأحاديث التي لا يستطيع أحد أن يطعن في صحتها، ولكنهما يحويان أيضا عشرات الأحاديث التي يسهل الطعن بنسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لمخالفتها كتاب الله سبحانه وتعالى، أو لمخالفة بعضها بعضا، وبعض هذه الأحاديث يؤذي الله سبحانه وتعالى،ويؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، وأمهات المؤمنين الطاهرات المطهرات، ويسيء إلى الصحابة الكرام، وإلى دين الله الإسلام .

إذا أردنا أن نحافظ على آلاف الأحاديث المطهرة في الصحيحين؛ لا بد لنا أن ننقي الصحيحين من عشرات الأحاديث التي يمكن الطعن في صحة نسبتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا بد لنا أن نحاكم متن الحديث، ولا نكتفي بمحاكمة سند الحديث، فإن خالف الحديث كتاب الله سبحانه وتعالى، نرده دون النظر إلى راوي الحديث.

لابد من وقفة مع النفس، والاعتراف بأن ليس كل ما الصحيحين صحيح؛ لتكون الخطوة الأولى نحو التصحيح والتجديد في علم الحديث؛ لنفتح الباب واسعا أمام علماء الأمة حاضرا ومستقبلا، للبحث في كتب الأحاديث عامة، والصحيحين خاصة، لتنقية أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كل ما شابها من الأحاديث التي تسيء إلى هذا الدين عامة، وإلى مذهب أهل السنة خاصة.



السابق التالي الرئيسية