| ]




الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.


 يها الأخوة المؤمنون: في الدرس نتحدث عن موضوع آخر ألا وهو موضوع السفر، فالسفر نشاط من نشاطات الإنسان، هناك من يسافر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فيقع في شر عمله ويدفع الثمن باهظاً من دينه وآخرته، وهناك من يسافر في سبيل الله فيكسب الدنيا والآخرة، موضوع السفر هل هو حرام ؟ هل هو حلال ؟ هل هو واجب ؟ هل هو مندوب ؟ هل هو مكروه ؟ وما أهداف السفر ؟ يا ترى ما علاقة السفر بطلب العلم ؟ ما علاقة السفر بالعبادة، بالجهاد في سبيل الله، بطلب الدنيا إذا أعسر الإنسان ؟ بهذه الموضوعات الدقيقة التي كثيراً ما يتحدث عنها الناس ويسألون عنها أهل العلم هم في جهل من دقائقها.


 
لاشك أن هناك سفر في سبيل الله، أعلى أنواع السفر في سبيل الله السفر في طلب العلم لماذا ؟ لأن العلم هو الطريق الوحيد إلى الله، ولأن في الكون حقيقةً واحدة هي وجود الله و وحدانيته وكماله، وكل شيء يوصل إليه مشروع، وكل شيء يبعد عنه مذموم ومحرم، ومنهي عنه.
 
السفر الأول هو سفر في طلب العلم، هذا السفر واجب أو نفل ؟ ما ينبغي أن يعلم بالضرورة سفر واجب، وما كان فرض كفاية سفر مندوب وإذا كان السفر ترك الوطن وترك الأهل وترك الأولاد وترك الدنيا وترك العمل من أجل طلب العلم فما قولك فيمن يقطن في دولة وفيها مجالس علم وقد يكون مجلس العلم إلى جوار بيته وهو يتكاسل أو يعرض عن أن يحضر في الأسبوع مجلساً أو مجلسين ويمضي ساعات طويلة في ما لا يرضي الله عز وجل، الحديث الآن أن تسافر من بلدك إلى بلد آخر، أن تقطع الصحارى والفيافي، أن تدع الأهل والأولاد أن تدع مكتبك التجاري، أن تفقد مركزك المالي، أن تفقد مركزك الاجتماعي من أجل طلب العلم لأن العلم هو الطريق وأقول بدقة هو الطريق الوحيدة إلى الله وأي حركة قبل العلم حركة عشوائية، فلذلك إذا كنا في بلدةٍ فيها علم صحيح وفيها مساجد، فيها دعاة فإذا كنت في بلد بعيد بعيد أنت مكلف في نص الأحاديث الشريفة أن تطلب العلم، طلب العلم فريضة على كل مسلم إذا كان العلم في بلد بعيد عن بلدك، طلب العلم فريضة على كل مسلم، تطلبه أينما كان إن كان في بلدتك أو في غير بلدتك.
 
سيدنا جابر بن عبد الله رحل من المدينة مسيرة شهر في حديثٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغه عن عبد الله بن أنيس حتى سمعه منه، الإنسان يقطع بالساعة أربع كيلو متر بالثماني ساعات خمسة وعشرين كيلو متر، بالعشرة أيام مئتان وخمسين، بثلاثين يوم سبع مائة وخمسين كيلو متر، مسيرة سبع مائة وخمسين كيلو متر من أجل حديث واحد، يمكن أخوانا الكرام ساكني هذه البلدة لا يكلفهم طلب العلم إلا أن يركبوا سيارة واحدة.

وقال الشعبي لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في كلمة تدله على هدىً أو ترده عن رداً ما كان سفره ضائعاً، كلمة حق، حديث شريف فهم آيةٍ، فهم حكم فقهي، هذا إذا طبقته سعدت به إلى الأبد، والحقيقة عندنا علم آخر كل إنسان في بلده، في بيته، أموره ميسرة حاجاته مؤمنة، الناس يعرفونه فلا تبدو أخلاقه الحقيقية لكن الأخلاق الحقيقية تبدو في السفر فما سمي السفر سفراً إلا لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، وما قبل سيدنا عمر من رجل قال أنا فلان أعرفه، قال له هل سافرت معه، هل حاككته بالدرهم والدينار، هل جاورته، أيام الإنسان يدعي أنه إنسان طيب ويحب الخير، لو سافر مع مجموعة أشخاص لظهر على حقيقته، يحب نفسه فقط، يحب أن يأخذ كل شيء بلا شيء يحب أن يستريح، يحب أن يأكل دون أن يجهد يحب أن يخدمه الآخرين، إذا سافرت ربما تعرفت إلى الله من خلال أهل العلم، وإذا سافرت ربما تعرفت إلى نفسك، أخطر شيء في الحياة أن يكون لك حجم، أن يكون لإيمانك حجم وأنت واقف تظن حجم إيمانك أكبر بكثير فالسفر يسفر عن أخلاق الرجال، وشيء آخر، إذا سافر الإنسان رأى آيات الله في الكون ربما آيات الله عز وجل تزيده معرفةً بالله لذلك قالوا: هناك سفر استثمار وسفر اعتبار، سفر الاستثمار أن تبحث عن رزق الله في أرض الله، أما سفر الاعتبار ربما إذا رأيت مظاهر الطبيعة، ربما إذا رأيت بعض ما خلق الله عز وجل من آياتٍ بليغة، من آيات دالة على عظمته ربما ازداد إيمانك.
 
على كل إذا سافرت من أجل علم ينبغي أن يعلم بالضرورة فهذا سفر واجب بل هو فرض عين، يعني إنسان مقيم بقرية لا يوجد في هذه القرية عالم يعطيه العلم الصحيح فصار مجيئه إلى بلد فيه علم صحيح فرض عين ليتعلم ما ينبغي أن يعلم بالضرورة، أما إذا انتقل من بلده إلى بلد آخر ليتبحر في المواريث هذا السفر مندوب ولكن ليس واجباً، السفر لمعرفة ما يجب أن يعرف فرض، أما السفر لمعرفة علم هو في الحقيقة فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل هو مندوب، هذا السفر من أجل طلب العلم وما ذكرت هذا الموضوع إلا لأذكركم أنك مأمور أن تسافر من بلدك إلى بلد بعيد إلى بلد في أقصى الدنيا، أحد العارفين بالله التقى بعالم كبير في الحج وهو فيما أذكر من سكان هذه البلدة فقال أنا مكاني في الهند يا ولدي هنا بالحج ليس هناك مكان لأن أعلمك شيئاً إذا أردتني فالحقني إلى الهند، فهذا العالم حينما عاد من الحج رحل إلى الهند ليتلقى العلم عن هذا العالم الجليل، السفر من أجل طلب العلم يقع في الدرجة الأولى، فما قولك إذا كنت في بلدة فيها علم ما عليك إلا أن تقتطع من وقتك ساعة في الأسبوع مرة أو مرتين.الآن عندنا سفر آخر لأجل العبادة من حج أو جهاد، وقد قال عليه الصلاة والسلام:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الأقْصَى ))

يعني إذا سافرت إلى مسجد بقصد التبرك به لا يمكن أن تستفيد إلا إذا كان أحد هذه المساجد، قالوا أن الجامع الأموي بحلب، جامع مبارك، غداً سوف نغادر إلى حلب لنزور هذا المسجد، نقول له لا يجوز، لا يجوز أن تسافر بقصد أن تتبرك بمسجد إلا أحد هذه المساجد الثلاث وما سوى ذلك فلا يسن ولا يشرع أن تزور مسجداً آخر لأن كل المساجد سوى هذه المساجد الثلاث سواء عند الله، إذا كان القصد زيارة مسجد بالذات، أما إذا كان القصد زيارة رجل تثق بعلمه وإخلاصه في هذا المسجد فصارت الزيارة لما في هذا المسجد من درس، من أجل درس علم، أو من ذكر، الحج والجهاد هذا سفر عبادة والأول طلب علم.

 
القسم الثالث أن يكون السفر للهرب من سبب مشوش للدين، يعني أغلى شيء عليك هو دينك فإذا كنت في مكان دينك مهدد بالخطر أو منعت من ممارسة شعائر دينك، أو شعرت أن هذا البلد فيه خطر على دين أولادك، رجل ذهب إلى بلد غربي والأمور ميسرة، شراء البيت بالتقسيط بسعر زهيد، الحاجات كلها مؤمنة كل شيء على ما يرام إلا شيء واحد إلا أن الفسق والفجور لا يوصف، لو فرضنا أن الرجل ضبط نفسه والزوجة ضبطت نفسها فما هي حالة الأولاد وما هو شعور أب يرى ابنته لها صديق ومستعدة أن تتخلى عن كل أهلها وأن لا تتخلى عن هذا الصديق وقد يكون هذا الصديق يهودياً وأنت مسلم، هذا سفر في سبيل الشيطان.
 
من أقام مع المشركين فقد برأت منه ذمة الله، تعيش في بلد تبيع الفتاة عرضها بشيء زهيد جداً بحبة مسكة، وأولادك في هذا البلد والبنت الذي ليس لها صديق بنت مريضة تحتاج إلى معالجة نفسية، والشاب إن لم تكن له صديقة يحتاج إلى طبيب نفسي، وشرب الخمر كشرب الماء، وأينما ذهب رأيت الفتنة يقظة والجنس كل شيء، ولا شيء سواه مثل هذا البلد إذا سافرت إليه و أردت أن تقيم فيه رغبةً فيما عند هؤلاء من مال وفير ومتعة رخيصة وحياة آمنة وحاجات موفورة إذا أقمت في مثل هذا البلد يجب أن تعلم علم اليقين أن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر وقال: برأت منه ذمة الله، يدفع الثمن.
 
الآن كم من أسر مسلمة عاشوا في بلاد الكفر وحينما ضيقوا عليهم وحينما حملوا بناتهم على أن يدعن أمر الله عز وجل وحينما منعوا من ممارسة شعائر دينهم تركوا وهاجروا و أغناهم الله في بلد الهجرة.

والله زرت شخصاً من بلاد تركيا عمره يزيد عن ثمانين عاماً قال: أنا رحلت إلى بلدكم يوم ضيق علينا ويوم صارت الصلاة تهمةً خطيرةً يقتل صاحبها، جئنا إلى بلدكم وأقسم بالله أنه لا يملك أن يشتري نقير، قال لي عندي خمسة وثلاثين بيتاً في هذه البلدة، قلت سبحان الله وأراضي وتجارة وهو يغدق على الناس، كيف أصبح غنياً في هذه البلدة ؟ لأنه هاجر في سبيل الله، لأنه خاف على دينه.


 
لي صديق لفت نظري أنه لما حج قال حججت عن نفسي حجة الإسلام ثم حججت عن أبي ثم حججت عن أمي لفت نظري الترتيب، الحديث أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك، هو بالعكس حج عن والده أولاً ثم عن والدته، فلما سألته ما سر هذا الترتيب ؟ قال: كنا في بلد أجنبي وصار الضغط على الدين ضغطاً غير معقول فآثر أبي أن يفر بدينه وأن يحفظ لنا ديننا فجاء بنا إلى هذه البلدة، قلت سبحان الله رأى أن قرار أبيه هو الذي حفظ له دينه، إذاً حج عن أبيه بادء ذي بدء ثم حج عن أمه، قال تعالى
﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97)
سورة النساء )

إذا كنت في الأرض مستضعفاً ولم تستطع أن تقيم شعائر الله عز وجل وتركت البلد الذي يظلم فيها المسلم فهذه هجرة في سبيل الله، فما قولكم في إنسان يقيم في بلدة كلها مساجد، كلها مجالس علم، كلها دعوة إلى الله فيها خير كثير، فيها بقية من صالحين يدع كل هذا الخير من أجل دريهمات يقبضها في عاجل دنياه.

السفر الرابع، السفر هرباً فيما يقدح بالبدن كالطاعون، يعني إذا يوجد وباء إلا الطاعون، يوجد أحاديث متعلقة بالطاعون وهذه الأحاديث أعجب ما في الأمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاسًا مِنْ عِبَادِهِ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَفِرُّوا مِنْهُ ))

هذا الحديث، إذا سمعتم بأرض فيها طاعون لا تدخلوا عليه واضح، لكن إذا كنت بأرض فيها طاعون لماذا نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن أن تخرج منها، عرضوا هذا السؤال على عالم كبير كبير في علم الجرائيم، فقال: الأمر بديهي لأن حملة المرض قد يكونوا أصحاء، إذا كان الإنسان في أرض فيها طاعون قد يحمل هذا المرض وهو صحيح فإذا سافر إلى بلد آخر ينقله للآخرين، فهذه كشفت حديثاً، أما أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراه الله عز وجل هذه الحقيقة هذا شيء يلفت النظر، إذا كنت في مكان فيه هلاك، هلاك لدينك لابد للسفر، هلاك لبدنك ولأهلك أيضاً حياة الإنسان غالية جداً، مثلاً منزل متداعي طبعاً نقيس فيه إنذار في الإخلاء و أساسه فيه خطأ إذا أقمت في هذا البيت فأنت ظالم لنفسك لماذا ؟ لأن رأس مالك حياتك وأنت بهذا كأنك تعرض حياتك للخطر، أو كأنك تضحي بحياتك، أو تنتحر وهناك قصص كثيرة جداً أن بيوت متداعية أمر أصحابها بإخلائها، أصحابها ما طبقوا هذا الأمر لسبب أو لآخر فإذا هذا المنزل ينهدم عليهم إذاً هناك معصية.

 " 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت جمله حرون فلا يذهب معنا، تصور صحابي جليل له جمل حرون ركبه في سبيل الله، هذا الجمل قتل صاحبه، معنى حرون أي شرس، النبي عليه الصلاة والسلام أبى أن يصلي عليه، ماذا فعل هذا الصحابي ؟ عندما الإنسان يعرض حياته للخطر معنى هذا أنه يعصي الله، العلماء قاسوا على ذلك من نام على سطح ليس له سور فوقع ودقت عنقه مات عاصياً، يقاس عليها من نزل من مركبة وهي تمشي وكثير من الحوادث الذي صار فيها دهس، عندما نزل وقع تحت العجلة ومات، أنا أعتقد كل سنة يوجد حادثتين ثلاثة من هذا النوع، يقاس عليها من ركب مركبةً ليست جاهزة مكابحها ضعيفة، الإنسان قبل أن يسافر عليه أن يتأكد من سلامة المركبة، هذا هو الدين، وهذه هي السنة، الدين دقيق جداً، قال تعالى
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)
سورة البقرة )
إذاً هذا السفر صوناً للحياة نسافر، وصوناً للدين نسافر، وأداءً للعبادة، وطلباً للعلم نسافر، هذه الأنواع التي وردت في إحياء علوم الدين في موضوع السفر.
 
طبعاً يوجد تقسيم آخر للسفر، يوجد سفر مذموم وسفر محبوب، وسفر مباح، السفر الجيد المحبوب الذي حث عليه الشرع سفر في طلب العلم، وسفر في أداء العبادة، والسفر المذموم سفر من أجل معصية، والعياذ بالله دول كثيرة من بلدان النفط السفر ميسر جداً إلى الشرق أو إلى الغرب، لقضاء إجازة سنوية أو شهرية أو أسبوعية، لا لشيء إلا ليعصي الله في هذه السفرة بألوان من المعاصي لا يوصف هذا سفر المعصية.

رجل سافر إلى بلد غربي نزل في فندق يبدو أنه طلب امرأة في الصباح افتقدها، كتبت له على مرآة مرحباً بك في نادي الإيدز، طبعاً هي مصابة بهذا المرض، مسافر في سبيل الشيطان، في سبيل الزنا، مسافر ليفعل كل المعاصي، مسافر ليغرق في المعصية إلى أذنيه هذا سفره، هذا سفر محرم، بالمقابل سفر في سبيل طلب العلم للحج، سفر للعمرة، حدثني أخ كريم اعتمر وحج وهو مما يكثر السفر لبلاد الغرب ذاق من حلاوة القرب الشيء الكثير فأقسم بالله لن يغادر بلده إلى حج أو عمرة، لشدة ما تجلى الله قلبه في هذه السفرة، الحج أنت مسافر إلى الله، سفرة إلى الله ورسوله، لو أن هذا المكان جميل جداً النسمات والجبال الخضراء والأماكن الجميلة والتسهيلات والخدمات والمرافق لاختلط هؤلاء الذين أرادوا وجه الله الكريم في هذه السفرة وهؤلاء الذين قصدوا المتعة والسياحة، لذلك شاءت حكمة الله أن يكون بلد السفر إليه بلد لا زرع فيه ولا نبات ولا أي مظهر من مظاهر الجمال الذي يرغبه الناس.

 
الحقيقة تروي كتب الفقه أنه يجب أن يكون شغلك الشاغل أن تلتقي بمن في هذه البلدة من أهل العلم، من أهل الصلاح، من أهل القرب، أن تكون مغرماً بزيارة مساجدها، أماكنها المقدسة لأنها بيوت الله عز وجل، الإنسان يشعر في بيت الله أنه في بيت طاهر، ادخل إلى مدينة صاخبة ثم ادخل إلى مسجد كأنك في بلدك، شوارع وازدحام ونساء كاسيات عاريات وبضائع مغرية جداً شعرت بضيق ادخل فوراً إلى المسجد تشعر براحة، توضأ وصلي أصبحت في ذمة الله دخلت إلى بيت الله، الحقيقة آداب المسافر كثيرة ونحن نعنى بآداب المسافر لأن السفر كما قلت نشاط ثابت واجتماعي:
 
الأدب الأول، قال: أن يبدأ برد المظالم، قلت لكم مرة رجل يقود سيارته بالحجاز أصابته أزمة قلبية فانكفأ على مقود السيارة وإلى جانبه زوجته ومن غرائب الصدف أنه مر صديقه فحمله للمقعد الخلفي وقاد المركبة إلى المستشفى للعناية المشددة، وبعد أن صحا قليلاً وصار بإمكانه أن يتكلم طلب آلة تسجيل وقال في صوته أن المحل الفلاني الذي فروغه عشرين مليون هذا ليس لي وحدي بل هو لي ولأخوتي وكنت أنكر عليهم حقهم فيه، والدكان الفلاني والمكان الفلاني، عجيب بدأ برد المظالم لأهلها لخوفه أن يموت قبل أن يرد المظالم طلب هذه الآلة وبصوته اعترف لأخوته ولمن قد كان قد اغتصب منهم اعترف لهم بحقهم، هذه القصة مثيرة جداً، بعد أسبوع شعر وكأن هذه الأزمة قد انزاحت عنه إلى غير رجعة، فقال أين الشريط أعطوني إياه وكسره وكأن شيئاً لم يكن، بعد ثمانية أشهر توفي.

 
أحياناً بالقرى الكهرباء تنطفئ الساعة الثانية عشر، والقرية الصغيرة لا يوجد فيها كهرباء مستمرة، كهرباء مقطعة، وأنا كنت معين في القضاء بالتدريس، والساعة الثانية عشر موعد انقطاع التيار الكهربائي كل يوم، ينقطع التيار لثانيتين فقط ثم يعود، معنى هذا إنذار هيؤوا أنفسكم، اجمعوا أغراضكم توجهوا إلى الفراش، وأحياناً تأتي مصيبة قبل الموت مفاجئة تماماً، يعني انتبه آن الأوان، هذا الحديث عبدي كبرت سنك وضعف بصرك، وانحنى ظهرك وشاب شعرك، فاستحي مني أنا أستحي منك، ما معنى شيب الشعر، ضعف البصر، ما معنى تقوص الظهر ؟ قال لي رجل والله يا أستاذ من أربعين سنة أنا أنشط من الآن، طبعاً، يقول لك لا يوجد ميل، قوة، هذه الحيوية والتدفق هذا من العشرين للخمسة والثلاثين، من الأربعين إلى الخمسين وسط، بعد الخمسين يميل الإنسان إلى الراحة، الضعف العام في البصر، شيب الشعر، انحناء الظهر إشارات لطيفة لطيفة من الله أن يا عبدي اقترب وقت اللقاء فهل أنت مستعد قطع التيار قبل عشر دقائق، هذا الرجل قبل ثمانية أشهر جاءته هذه الأزمة ليتنبه وتنبه فعلاً وترك كل ما عليه من مظالم لكن بعد هذا ندم، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)
سورة آل عمران )

فقال أين الشريط أعطوني إياه وكسره وكأن شيئاً لم يكن، بعد ثمانية أشهر توفي.
 
أعرف رجل مسرف على نفسه كثيراً من حفلة إلى حفلة، ومن نادي إلى نادي، من ملهى إلى ملهى، وفي رأس السنة هو و زوجته بالفنادق ورقص وخمر، وهو في ريعان الشباب في الأربعينات أصابه مرض، قلت لعل هذا المرض تذكير من الله عز وجل، بعد أن شفي من مرضه عاد إلى ما كان عليه، الله ذكره وهو لم يتذكر.

 
يوجد رجل كان مسرفاً على نفسه كثيراً فله جار صالح نصحه، يا رجل انتبه إلى آخرتك الموت قريب، الدنيا لا تغني عن الآخرة طاعة الله غنى معصيته ندامة، ومن هذا الكلام فلم يستجب، توفي رآه أحد أقربائه في المنام وهو يرتدي في اللغة الدارجة ـ كيس خيش ـ مربوط بحبلة ويدور حول بحرة ويقول على جاره المؤمن نصحني فلان ولم انتصح يا ليتني انتصحت.
 
أحد أخوانا هنا يحضر معنا قال لي: لي أخ كان ناظر وصي يوجد ثماني آلاف الموصي أمر أن تدفع إلى أعمال البر، هذا الناظر أخذ هذا المبلغ وأنفقه ولم ينفقه على أعمال البر، رأته أخته في المنام وقد احترق وألسنة اللهب تتصاعد من حوله ويقول لأخته الثمانية آلاف أحرقتني، فالإنسان يجب أن يبدأ برد المظالم، هو سوف يركب طائرة ويوجد احتمال أن تسقط هذه الطائرة، يكونوا يتناولون الطعام يسمعون خبر وقد مات جميع ركابها، أنت انظر أحوال الركاب حينما يشعرون أنه يوجد خطر، إذا جيب هوائي ترى القلوب انخلعت، إذا أيقن ركاب الطائرة أن طائرتهم سوف تسقط.
 
إذا الإنسان أراد أن يسافر عليه برد المظالم، شيء مغتصبه، وقضاء الديون، لا أعتقد صحابي جليل جاهد مع رسول الله في بدر و أحد والخندق ثم يموت، يقول عليه الصلاة والسلام أعليه دين، فإذا قالوا نعم، يقول صلوا على صاحبكم.

 أولا أدب من آداب السفر أن يبدأ برد المظالم، وأداء الديون، طبعاً هذه في الحج أيضاً الحج سفر، كتاب استعرته، حاجة، حساب معلق، خلاف على حساب، ذمة لبائع، اعمل جرد لكل شيء، أن يبدأ برد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لمن تلزمه نفقته، وبرد الودائع إن كانت عنده، عندك وديعة تعلمها أنت إنها لفلان لكن إذا سافرت وحصل أمر تكرهه من يعلم أن هذه لفلان اكتب ورقة إلى جانبها، والأكمل أن تردها وإذا أصر أن تكون عندك اكتب هذه الحاجة لفلان.
 
ولا يأخذ لزاده إلا الحلال الطيب، إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً، وليأخذ قدراً يوسع به على رفقائه إن استطاع، يعني السفر مظنة حاجة إذا اثنين سافروا وأخذ فقط ما يكفيه لوجبة واحدة، لك صديق كثير من المواقف المزعجة إنك أنت تركب في سيارة عامة تأكل وتخرج الموالح معك ركاب وأولاد صغار يشتهون، أخذ معه الفواكه والسندويش والموالح والشاي وإلى جانبه ركاب ومعهم أولاد، السنة أن تأخذ زاداً زائداً عن حاجتك لتنفق منه على رفائقك في السفر.

 
ولابد في السفر من طيب الكلام وإطعام الطعام، وإظهار مكارم الأخلاق، يعني المسافر يجب أن يتحلى بالمآثرة، يعني مقعدين على النافذة مقعد تقول له تفضل، يوجد مسافر أفضل مقعد له، أفضل سرير في الفندق له، ويختار، هذه ليست أخلاق مسافر، أخلاق المسافر يجب أن تبنى على المآثرة.
 
قال من تمام حسن الخلق الإحسان إلى الرفقاء وإعانة المنقطع بمركوب أو بزاد، أنت مسافر ورجل أشار إليك وهو منقطع بحاجة إلى وقود إلى آلة، إلى حاجة، إذا ردت أن يعينك الناس إذا انقطعت فأعن الناس إذا انقطعوا، مرة في سفر رجل أشار ويبدو أنه مضطر إلى شيء، بعدما قطعته رجعت إليه وشعرت أنه صار له واقف ساعة أو ساعتين يحتاج إلى بنزين مقطوع فلما أعطيته كأنه عمل غريب.

 
سمعت قصة غريبة جداً أناس يركبون مركبة ولا يملكون آلة الرفع للسيارة، وعجلة من العجلات انفجرت ولا يملك مضى ساعة وساعتين وثلاث ساعات وهم يؤشرون إلى السيارات لا أحد يقف، بعد ساعتين توقف شخص وقال ماذا تريدون، قالوا له: نحتاج إلى آلة رفع فقال تفضلوا فقال أحدهم: ما شاء الله مازال في الدنيا خير، بعد أن انتهى قال: اسمحوا لي بخمس ليرات، فقال له الشخص: والله لو طلب مائة ليرة لأعطيك ولكن ياليتك لم تطلبها، وكنا نعتقدها إغاثة لهفان، ولكنها مأجورة، وهذا العمل سقط.

 
من آداب السفر أن تعين المنقطع بمركوب أو بزاد، كنت أركب مع أخ توفي رحمه الله من بلد عربي مجاور، فراكب معه في دمشق فهو ضرب سيارة والذي ضربه سيارة عامة فقلت لعل هذا السائق يعضب ويثور، والرجل ضيف، هذا السائق نظر إليه ولم يتكلم بأي كلمة وقال له مسامح، فرأيت دمعة على خده نزلت، فقلت له لماذا تأثرت، قال: والله من سنتين جاء رجل من بلدكم إلى بلدنا وضرب لي سيارتي ومه نساء محجبات ولم أحب أن أزعج له نزهته، فقلت له الله يسامحك، وبعد سنتين جاء رجل وعامله المعاملة نفسها، كله دين و وفاء البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت اعمل كما شئت كما تدين تدان.


 
في السفر تلبي رجل مقطوع تقرضه مالاً ابن سبيل هذه من آداب السفر وأن يكون الإنسان مرح ويبدو أن السفر فيه مشقة وعبء على الإنسان إذا كان مزاح لطيف مسابقات في القرآن أو في السنة، يعني سفر مع جو عبوس قمطرير، ومن السنة في السفر أن يطيب نفس أخوانه وأن يمزح معهم وأن يكون هذا المزاح اللطيف الأديب معوضاً لهم على مشاق السفر.
 
أول أدب رد المظالم، قضاء الديون، إعداد النفقة من الحلال، رد الودائع، أخذ الحلال التوسيع في الإنفاق، طيب الكلام، إطعام الطعام، إظهار مكارم الأخلاق وأبرز هذه المكارم إعانة الرفقاء، إيصال المقطوعين، البذل، لين الكلام المزاح، تطيب نفوس الرفقاء، وكلها تحت الأدب الأول.
 
الأدب الثاني أن يختار رفيقاً ولا يخرج وحده، في بعض الآثار المسافر شيطان الإنسان إذا سافر تضعف الرقابة عليه، الناس العاديين في بلدهم منضبطون أما إذا سافروا يتفلتون، أما المؤمن الله معه لا يتأثر بأي كلام، إذا إنسان إيمانه وسط وذهب مع رجل مؤمن الظهر صليتم لا، هيا لنصلي همة لا يستطيع أن يذهب يميناً ويساراً، إذا نسي الأول الثاني ذكره، الأول قدمه ذلت الثاني صحاه، من السنة أن يكون معك رفيق وقيل الرفيق قبل الطريق، أما الرفيق يجب أن يعين على الدين لا على المنكر هذه ضعها في عنقي من الذي يرانا هنا، هذا رفيق يجب أن لا يرافق، أنت بحاجة إلى رفيق يعينك على أمر دينك.ويعينه ويساعده إذا ذكر فإن المرء على دين خليله ولا يُعرف المرء إلا برفيقه، وقد نهى عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام أحمد.
(( بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ ))
وإذا كنتم ثلاثة في السفر فأمروا أحدكم، أيام المصالح تتعارض، ثلاثة مسافرون سوف ننام هنا يوم آخر، لا ننام، في هذا الفندق لا في هذا الفندق فصار تعارض، لا أمروا أحدكم هذا نظام المسلمون، ثلاثة إذا سافروا يوجد أمير عليهم، قراره هو النافذ.

 
قال: وليأمروا أحسنهم أخلاقاً، رجل عمل دعوة فقال لأحد الحاضرين أنت انتبه على أخوانك ضيفهم، فقال له: أنا أكل عنهم، هذا السفر لا أن تأكل عن أخوانك بل تطعمهم، أيام يكون أخوان مسافرون يوضع الطعام فوراً يأكلون وهو يصنع الشاي ولا يبقى له طعام، السنة لا يأكل شيء قبل أن يجلس الجميع، أما موضوع أكل الطعام بسرعة ليس هذا أمر هؤلاء مؤمنين.

 
يأمروا أحسنهم أخلاقاً وأرفقهم بالأصحاب، وأسرعهم إلى الإيثار، لا يوجد أروع من كلام سيدنا عمر عندما قال أريد أميراً إذا كان أميراً عليهم بدا وكأنه واحد منهم، وإن كان واحداً منهم بدا وكأنه أمير عليهم، إذا ليس أمير لشدة حرصه وغيرته عليهم بدا كأنه أمير، وإذا كان أمير لشدة تواضعه ومساواته مع الآخرين بدا وكأنه واحد منهم، من نحن إذا كان سيد الخلق قال وعلي جمع الحطب، قالوا له نكفيك، قال: أعلم ذلك ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه، وفي بدر القصة معروفة عندما قال كل ثلاثة على راحلة وأنا وفلان وفلان على راحلة فلما توسلا إليه أن يركب قال: ما أنتما بأقوى مني على السير ولا أنا بأغنى منكما على الأجر من كمال السفر أن تتوزع الأعمال كلها حتى تنظيف الصحون بالدور الأمير يقرر، قسم يهيء الطعام وقسم يجلب الطعام.


 
الأدب الثالث أن يودع رفقاء الحضر والأهل والرفقاء، إذا سافرت تودع أنت وإذا عدت هناك من يهنئك، تريد أن تذهب إلى الحج يجب أن تزور أقرباءك وتودعهم، تسافر إلى مهمة طويلة يجب أن تودع، أحياناً أخ من أخوانا الكرام يأتيه سفر يسافر، نحن نتشوش من أجله أين فلان يا ترى مريض، يا ترى هل له مشكلة حبسه حابس، منعه مانع، أحد ألقى في قلبه شبهة عندما نلتقي معه يقول كنت مسافراً، أعلمنا هكذا السنة، أنت عضو بأسرة، وهذه تقاس على الأسرة أخبرهم.
 
وليدع عند الدعاء لقوله لمودعه أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك إذا ودعت أهلك هذا الدعاء المأثور، ماذا يقول له المقيم ؟ زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيث توجهت هذا كلام لطيف جداً، أنت تسافر ودعت لما ودعت قلت لهم الدعاء أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، ماذا يقول له المقيم ؟ زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيث توجهت، قال وليصلي المسافر قبل سفره ركعتين صلاة الاستخارة.

وإذا حصل على باب الدار فليقل بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ربي أعوذ بك أن أَضل أو أُضل، أيام يذهب مهتدياً ويعود ضالاً، رجل سافر إلى أوربا أخذ معه السجادة والمصحف رجع بعد أربع سنوات من المطار إلى البيت وقال لهم ثلاث موضوعات لا تتكلموا بهم إطلاقاً، الدين والآخرة ولا كلمة كله خرافة، عاد ضالاً، أيام يعود زاني، ملحد أيام يقول لك نحن لا نعيش هم الذين يعيشون نسي إسلامه وآخرته، شيء من المظاهر الآخرة ضيعت عليه إيمانه. أعوذ بك أن أَضل أو أُضل، أو أَذل أو أُذل أو أَظلم أو أُظلم أو أَجهل أو يُجهل علي، إذا ركب هذه الدابة، يعني الطائرة أو المركبة فليقل سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا منقلبون.

رابعاً أن يرفق بالدابة إن كان راكباً فلا يحملها ما لا يطيق ولا يضربها في وجهها، هذه الآن ليست واردة، فإنه منهي عنه ويستحب أن ينزل عن الدابة أحياناً ليريحها، والإنسان ليس له حق أن يبقى على الدابة ويتكلم مع صديقه.
 
رجل سأل ابن المبارك وهو على دابة فقال له: احمل لي هذه الرقعة إلى فلان، فقال: حتى أستأذن المكاري صاحب الدابة فإني لم أشارطه على هذه الرقعة، فانظر كيف لم ينتبه إلى قول الفقهاء إن هذا مما تسامح به، لم يرضَ أن يحمل حاجة على الدابة فوق طاقتها.
 
من الآداب في السفر أنه إذا كان في قافلة فلا يمشي منفرداً، لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
(( عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ ))
قال: ينبغي أن تستصحب مرآة، ومقراضاً، ومسواك، ومشطاً، لا تعرف قيمة إبرة وخيط إلا في السفر، زر قطع، لا يوجد حل ولا يوجد خياطين، وهذه من السنة أن تصطحب هذه الأشياء معك، قال: وليحذر المسافر التنطع بالطهارة، قد يكون الماء قليل والناس بحاجة إلى الشرب وأنت استهلكته بالوضوء، أيام هذه بالحج تصير، أنت تستهلك الماء بالوضوء استهلاكاً شديداً هذا ليس من آداب السفر.

أما إذا عدت من السفر فأولاً لك أن تقول لا إله إلا اله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ثم يبشر أهله بقدومه، الآن يحل محل هذا باتصال هاتفي نحن سنأتي في المطار الآن، وكان ينهى عن أن يطرق أهله ليلاً، يعني الزوجة زوجها مسافر مطمئنة ونائمة الساعة الثانية بعد منتصف الليل طرق الباب، إذا طرق مشكلة وإذا دخل بمفتاح مشكلة الاثنتين مشكلة.

 
فإذا قدم على أهله ليلاً قد يرى ما يكره، تاركها شهرين وجاء فجأةً وهي تنظف البيت وهي بوضع لا يسر، هو مشتاق ووجدها هاملة نفسها جداً، وهذا من أسرار ذكاء الزوجة والسنة النبوية، فإذا قدم على أهله ليلاً قد يرى ما يكره، وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد أولاً صلى ركعتين ثم دخل البيت، وينبغي أن يحمل لأهل بيته وأقاربه تحفةً من مطعوم أو ملبوس أو غيره على قدر إمكانه، هدية متواضعة جداً هذه من سنة السفر، فإن الأعين تمتد إلى القادم من السفر والقلوب تفرح به، عينه بيديه ماذا أحضر معه.


 
هذه الآداب الظاهرة، أما الآداب الباطنة ينبغي أن لا تسافر إلا إذا كنت متأكداً أن هذا السفر يزيد في دينك، ويزيد في علمك ويزيد في قربك من الله عز وجل، إذا دخلت بلدة ينبغي أن تنوي أن تلتقي بشيوخها وعلمائها وأهل الصلاح فيها ومساجدها، إذا زرت أخ ببلدة ينبغي أن لا تقيم عنده أكثر من ثلاثة أيام، رجل فقير جداً له قريب يشغل أعلى منصب في استانبول والقصة قديمة فافتقر، فقال أذهب لعنده ليبحث لي عن عمل، فذهب وجلس وعمل استدعاه الصدر الأعظم وقدمه إلى السلطان وقع ثلاثين معاملة إلا هذه المعاملة ثاني يوم لم يوقعها والثالث والرابع، جمعة جمعتين أدرك أنه توكل عليه، فأعطى توجيه إلى خادمه وقال له كلمه كلام فيه شيء من الإهانة، فهذا عندما سمع هذا الكلام خرج مزعوج جداً وهو يبكي، في اليوم نفسه وقعها السلطان فلما رجع قال له أنت كنت توكلت علي طيلة هذه الفترة، الآن قياس على هذه القصة أنت تسافر تعمل مراجعة تامة للسيارة أيام تفاجأ بشيء لم تحسبه، عندما تقول أنا كل شيء عملت حسابه وقعت في الشرك، قل يا ميسر، اللهم ما سهل إلا ما جعلته سهلاً، إذا الله يسر كل شيء سهل، وأحياناً لشيء تافه جداً يتعطل كل السفر، أيام ينسى الإنسان جواز السفر لا يلحق أن يحضره من البيت تعطل سفره هذه إن شاء الله مهمة جداً وخاصةً في السفر.

 
طبعاً معروف عندكم أن المسافر يجوز له أن يمسح على الخفين ثلاثة أيام وليلتين والتيمم والقصر والجمع، ويجوز أن يصلي النافلة على دابته، ممكن وهو راكب في الطائرة أو في السيارة وجهة المسافر جهة دابته، والنافلة في السفر يجوز أن تصلى على دابته، هذه من رخص السفر أن استقبال القبلة غير ضروري، ولك أن تجمع وأن تقصر، والتيمم، والمسح على الخفين، طبعاً والصيام لك أن تفطر، أجمل ما في هذا الدرس أن المؤمن الصادق لا يسافر إلا إذا تأكد أن سفره يزيده قرباً من ربه ويزيده عملاً صالحاً.






والحمد لله رب العالمين





جزا الله تعالى كل الخير للشيخ الفاضل

محمد النابلسي

والاخوة القائمين على هذا العمل الطيب وتقديمه لاخوانهم المسلمين




اخوكم في الله مصطفى الحمد



السابق التالي الرئيسية