قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (الإسراء: من الآية 23)، وقال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ (لقمان: من الآية 14).
ومن معاني (قضى): خلق، ومنها أمر، ولا يجوز أن يكون معناها هاهنا إلا أمر؛ لأن الأمر يُتصور وجود مخالفته، ولا يتصور وجود خلاف ما خلق الله؛ لأنه الخالق، فأمر الله سبحانه بعبادته، وببر الوالدين مقرونًا بعبادته.
كما قرن شكرهما بشكره، ولهذا قرأها ابن مسعود: (ووصى ربك)، قال أبو بكر بن الأنباري: هذا القضاء ليس من باب الحكم، إنما هو من باب الأمر والفرض، وأصل القضاء في اللغة: قطع الشيء بإحكام وإتقان، وقوله: ﴿وَبِالوَلِدَينِ إِحسانًا﴾، هو: البر والإكرام، قال ابن عباس: لا تنفض ثوبك أمامهما فيصيبها الغبار.
2 - لأن الله أمر بصحبتهما والإحسان إليهما ولو كانا كافرين:
قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا﴾ (لقمان: من الآية 15)، وفي صحيح مسلم عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: قدمت عليّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيت رسول الله، قلت: قدمت عليّ أمي وهي راغبة- أي طامعة فيما عندي- أفأصل أمي؟ قال: "نعم صلي أمك" (متفق عليه).
3- لأن برهما مقدم على الجهاد:
عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحيّ والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد" (متفق عليه)، وعن أنس قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: "هل بقي من والديك أحد؟"، قال: أمي، قال: "فأبل الله في برها فإذا فعلت ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد" (رواه الطبراني)، ومعنى: "فأبل الله في برّها" أي: أحسن فيما بينك وبين الله يبرك إياها.
وفي حديث ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: "الصلاة على وقتها" قلت: ثم أي؟ قال: "بر الوالدين" قلت: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" (متفق عليه).
وعن أبي سعيد الخدري، قال: هاجر رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل باليمن أبواك؟"، قال: نعم، قال: "أأذنا لك؟" قال: لا، قال: "ارجع إلى أبويك فاستأذنهما، فإن أذنا لك؛ وإلا فبرهما".
وعن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: "هل من والديك أحد حي؟" قال: أمي، قال: "انطلق فبرها"، فانطلق يحل الركاب، فقال: "إن رضا الرب عز وجل في رضا الوالدين".
4- لأن طاعتهما من موجبات الجنة:
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه"، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: "من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة" (رواه مسلم)، وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه" (رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح، قال القشيري: أوسط أبواب الجنة، أي: خير أبوابه).
وعن معاوية بن جاهمة، أن جاهمة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أردت الغزو وجئت أستشيرك؟ فقال: "هل لك من أم؟" قال: نعم، فقال: "فالزمها فإن الجنة عند رجليها".. رواه أحمد، ورواه الطبراني في الكبير بلفظ: "ألك والدان؟" قلت: نعم، قال: "الزمهما فإن الجنة تحت أرجلهما".
5- لأن رضا الله في رضا الوالدين:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد" (رواه الترمذي).
وقال صلى الله عليه وسلم: "رضا الرب تبارك وتعالى في رضا الوالدين، وسخط الله تبارك وتعالى في سخط الوالدين" (رواه البزار)، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه أسخط الله" (رواه ابن النجار).
6- لأن برهما سبب مغفرة الذنوب:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت ذنبًا عظيمًا؛ فهل لي من توبة؟ فقال: "هل لك من أم؟" قال: لا، قال: "فهل لك من خالة؟" قال: نعم، قال: "فبرّها" (رواه الترمذي)، وعن مالك بن عمرو قال: قال رسول الله: "من أعتق رقبة مسلمة، فهي فداؤه من النار، ومن أدرك أحد والديه ثم لم يغفر له فأبعده الله وأسحقه" (رواه أحمد).
7- لأن برّهما سبب في تفريج الكربات:
ويدل على ذلك قصة الثلاثة الذين انطبقت الصخرة على فم الغار الذي هم فيه، فتوسلوا إلى الله بصالح عملهم، فتوسل أحدهم ببره بوالديه، الثاني بكمال العفّة، والثالث بتمام الأمانة، ففرّج الله كربتهم بزوال الصخرة عن فم الغار، والقصة في الصحيحين.
8- لأن برهما سبب في سعة الرزق وطول العمر وحسن الخاتمة:
عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحبّ أن يبسط الله في رزقه، وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه" (متفق عليه)، وعن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يمد له في عمره، ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء؛ فليتق الله وليصل رحمه" (رواه البزار بإسناد جيد)، وبرّ الوالدين أعلى صلة الرحم؛ لأنهما أقرب الناس إليك رحمًا.
9- لأن برهما يزيد في العمر:
عن سهل بن معاذ، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بر والديه طوبى له، وزاد الله في عمره".
وعن سلمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزيد في العمر إلا البر".
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يمد الله في عمره، ويزيد في رزقه؛ فليبر والديه، وليصل رحمه".
10- لأن دعوة الوالد على ابنه مستجابة:
ويدل على ذلك قصة جريج العابد الذي دعت عليه أمّه، لما ترك إجابة ندائها أن يريه الله وجوه المومسات- أي الزانيات- فاستجاب الله دعاءها، والقصة في الصحيحين، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد على ولده، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم" (رواه أحمد).
عن عبد الله بن مسعود، قال: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الوالد والمظلوم والمسافر"، وكان الحسن يقول: "دعاء الوالدين ينبت المال والولد"، وسئل الحسن: "ما دعاء الوالد للولد؟" قال: "نجاة".
وعن مجاهد: "ثلاثة لا تحدب دعوتهم عن الله عز وجل: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد لولده، وشهادة ألا إله إلا الله"، وعنه أيضًا: "دعوة الوالد لا تُحجب عن الله عز وجل".
الكاتب: جمال ماضي